fbpx

مخاطر جمة تهدد اليورو.. هل ستصبح الصين المستفيد الأكبر من الصراع على الأصول الروسية؟

في يناير 2024 وجه محافظ البنك المركزي الإيطالي، فابيو بانيتا، تحذيرات لقادة الاتحاد الأوروبي حول التبعات المحتملة لاستهلاكهم الأصول الروسية الموجودة في أوروبا، مشيرًا بوضوح إلى أن هذه الخطوة ستؤثر على جاذبية اليورو كعملة احتياطية عالمية، وستجعل العديد من الدول تخشى الاحتفاظ باليورو ضمن احتياطياتها.
في الوقت نفسه، أكد بانيتا أن الصين ستكون بلا شك المستفيد الأكبر من تراجع مكانة اليورو كعملة احتياطية، حيث سيتيح هذا التراجع لليوان الصيني مساحة أكبر في التجارة الدولية وكمخزون احتياطي للبنوك المركزية حول العالم.

ومع ذلك، تجاهل الأوروبيون تحذيرات محافظ بنك إيطاليا، وقرروا في يونيو 2024، بالتعاون مع الولايات المتحدة وأعضاء مجموعة السبع الكبار، الاستحواذ بشكل غير مباشر على الأصول الروسية المجمدة منذ بداية الحرب عن طريق إقراض أوكرانيا 50 مليار دولار بضمان أرباح الأصول الروسية المجمدة. اعتبرت روسيا هذه الخطوة سرقة وهددت بالرد، ولكن بعيدًا عن رد الفعل الروسي، كان العالم يراقب النزاع بين حلفاء أوكرانيا وروسيا حول أصول البنك الروسي المجمدة، حيث سيحدد مصير هذه الأموال الكثير من الأمور في المستقبل، من بينها شكل العملات الاحتياطية التي تحتفظ بها البنوك المركزية حول العالم.

حاليًا، يشكل الدولار الأمريكي الجزء الأكبر من احتياطيات البنوك المركزية العالمية من النقد الأجنبي، يليه اليورو بفارق كبير. هذا الفارق زاد مؤخرًا بسبب تراجع عدد من الدول عن جزء من حيازاتها من اليورو. إذا استمر هذا التراجع، سيكون استقرار العملة الأوروبية المشتركة في خطر حقيقي.

وفي 1 يناير 1999، احتفل الأوروبيون بإطلاق أول عملة مشتركة في تاريخهم وهي اليورو. 11 دولة من دول الاتحاد الأوروبي قررت في ذلك الوقت التخلي عن عملاتها الوطنية والتعامل باليورو. تخلت ألمانيا، صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا، عن عملتها الوطنية، المارك الألماني، الذي كان ثاني أكبر عملة احتياطية في العالم بعد الدولار الأمريكي. بمجرد اختفاء المارك، حل اليورو مكانه باعتباره ثاني أكثر العملات الاحتياطية استخدامًا على مستوى العالم.

في البداية، لم يكن لليورو تواجد مادي وكان متاحًا فقط إلكترونيًا. بدأ الأوروبيون في طباعة الأوراق النقدية من اليورو في عام 2002. كان لدى الأوروبيين طموحات كبيرة بشأن مستقبل اليورو كعملة دولية يستخدمها العالم في التجارة وكعملة احتياطية، وهي الميزة التي كان يتمتع بها الدولار الأمريكي بشكل شبه حصري.

في عام 1998، شكل الدولار الأمريكي حوالي 70% من احتياطيات البنوك المركزية العالمية من النقد الأجنبي. المارك الألماني كان يشكل 14%، والين الياباني 6.2%، والجنيه الإسترليني 2.7%، والفرنك السويسري 3.10%. عندما ظهر اليورو في 1999، شكل 18% من احتياطيات البنوك المركزية، وظلت هذه النسبة في زيادة خلال العقد الأول من القرن الـ 21 على حساب العملات الاحتياطية الأخرى، بفضل تشجيع الأوروبيين دول العالم على الاعتماد على اليورو. إحدى هذه الدول كانت روسيا.

في مايو 2001، اقترح رئيس المفوضية الأوروبية، رومانو برودي، على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تستخدم روسيا وأوروبا اليورو في التجارة البينية بينهما بدلاً من الدولار. وافق بوتين على هذا الاقتراح، وساهمت المخاوف الروسية من الإدارة الأمريكية الجديدة آنذاك في موقفهم الإيجابي. موافقة روسيا على استخدام اليورو في التجارة مع الاتحاد الأوروبي تعني ضمنيًا أنهم موافقون على الاحتفاظ باليورو كجزء من احتياطيات بنكهم المركزي.

الروس بدأوا فعلاً يعتمدون على اليورو بشكل أكبر، مما ساهم في زيادة نسبة اليورو في احتياطيات البنوك المركزية العالمية. رغم ذلك، ظل الدولار يشكل الجزء الأكبر من احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي، حتى الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم في 2014، الذي أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، مما أثر بشكل كبير على حجم وتكوين احتياطيات البنك المركزي الروسي من النقد الأجنبي.

في عام 2014، كانت احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي حوالي 385 مليار دولار، مما ساعدهم على امتصاص جزء كبير من الخسائر الناتجة عن العقوبات الغربية. منذ ذلك الحين، بدأت روسيا بزيادة احتياطياتها بشكل كبير لتصل إلى 643 مليار دولار في فبراير 2022. في الوقت نفسه، قللت روسيا نسبة الدولار في احتياطياتها لصالح عملات أخرى مثل اليورو واليوان.

في فبراير 2022، عندما غزت روسيا أوكرانيا، تم تجميد أكثر من 300 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي، كان الجزء الأكبر منها موجودًا في أوروبا على شكل يورو. هذا الأمر منح الأوروبيين نفوذًا كبيرًا على روسيا، ولكنه وضعهم في مشكلة، حيث أن تجميد أو الاستيلاء على هذه الأصول يقلق أي دولة في العالم تحتفظ باليورو ضمن احتياطياتها.

في يونيو 2024، أصدر البنك المركزي الأوروبي تقريرًا سنويًا أشار فيه إلى انخفاض حصة اليورو من الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبي بواقع 100 مليار يورو تقريبًا، مما خفض نسبتها إلى 20%، وهي أدنى نسبة تصل إليها منذ 2020. في المقابل، زادت حصة الدولار واليوان. هذا التراجع في حصة اليورو جاء نتيجة لتجميد الأصول الروسية، ولكن الخطوة الأخيرة لمجموعة السبع الكبرى في يونيو 2024 بمنح أوكرانيا قرضًا بضمان أرباح الأصول الروسية قد تعزز هذا التراجع.

هل يمكن لهذه الخطوة أن تجعل الدول الأخرى تفقد الثقة في اليورو؟ هل ستنخفض نسبة العملة الأوروبية المشتركة من الاحتياطيات العالمية بشكل أكبر خلال 2024؟ هذا سؤال سنعرف إجابته قريبًا. المؤكد هو أن دولًا كثيرة، وعلى رأسها الصين، قد تبدأ بتقليل احتياطياتها من اليورو لتجنب مصير روسيا، وخاصة إذا كانوا يخططون لغزو تايوان في المستقبل القريب.

في مارس 2024، زادت حصة اليوان الصيني من المدفوعات الدولية، بينما انخفضت حصة اليورو. هذا الانخفاض في حصة اليورو من المدفوعات الدولية سينعكس بلا شك على وضعه كعملة احتياطية. إذا تمكنت روسيا من استعادة أصولها، فقد تتخلى عن اليورو، مما سيكون ضربة كبيرة للعملة الأوروبية.

دايلي بيروت

اقرأ أيضا