fbpx

فلسطينيون: الشهداء ليسوا مجرد أرقام

نزوح فلسطيني من أجزاء من مدينة خانيونس جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الإثنين 22 يوليو 2024.

انقلبت حياة طارق أبو عيطة رأساً على عقب خلال ثوانٍ قليلة عندما استهدفت غارات جوية إسرائيلية في بداية الحرب الحي الذي يقطن فيه في قطاع غزة.

في 14 تشرين الأول/أكتوبر، بعد أسبوع واحد من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تسبب قصف إسرائيلي بتدمير منزله العائلي المؤلف من طابقين واستشهاد والده حامد (77 عاماً) وزوجته منتهى (37 عاماً) ونجلهما إلياس (11 عاماً) وابنتَي شقيقه ميرا (ثمانية أعوام) وتالا (14 عاماً).

وقال أبو عيطة (42 عاماً) بينما انهمرت دمعة على خدّه وهو يستعيد على هاتفه المحمول أمام فريق من وكالة فرانس برس صوراً لزفافه ولابنه في مدينة رين الفرنسية: «كل شيء راح».

أبو عيطة وابنه الثاني فارس (14 عاماً) هما من الفلسطينيين القلائل الذين نُقلوا إلى فرنسا لتلقّي العلاج جراء إصابتهم خلال الحرب.

وردّت إسرائيل بحملة قصف مدمرة وهجمات برية أسفرت عن سقوط 39550 شهيداً على الأقل، وفق أرقام وزارة الصحة في القطاع.

وأضاف الأربعيني: «ليسوا مجرد أرقام، كل واحد من هؤلاء لديه أحباء وعائلة وذكريات».

وأُصيب أبو عيطة وابنه فارس إصابات خطيرة أمام منزلهما حين طالت الضربات مخيم جباليا للاجئين في شمال القطاع.

وأصيب فارس بكسر كبير في الجمجمة أدخله في غيبوبة لأكثر من ثلاثة أسابيع.

أولاد يلقون بالنار
بعد قرابة عشرة أشهر، وما تزال القوات الإسرائيلية تقصف قطاع غزة، يتعافى كلاهما في فرنسا بعد تلقيهما علاجاً طبياً مكثّفاً.

غير أن الرعب لا يفارق أبو عيطة الذي اضطرّ إلى ترك ابنَيه الآخرين جود (10 أعوام) وأحمد (15 عاماً) في القطاع المحاصر.

وقال: «ستكون كارثة إذا حدث لهما شيء. لم تعد لدي طاقة للتحمّل».

وأشار إلى أنه تلقّى وعداً بأن يتمكّن من التقدّم بطلب لإحضار ابنَيه إلى فرنسا بمجرّد حصوله على وضع لاجئ.

غير أن الانتظار وألم القرار الذي اتخذه بتركهما في القطاع الفلسطيني المدمّر، يقضيان عليه تدريجياً.

وقال أبو عيطة: «كان فارس يحتضر. لو بقيت في غزة لخسرته».

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أُصيب نحو تسعين ألف شخص في غزة في القصف الإسرائيلي، بحسب السلطات في غزة.

من بين المصابين يومياً نحو عشرة أطفال يخسرون ساقاً أو اثنتين، بحسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

في 16 تشرين الأول/أكتوبر، كان آصف أبو مهادي (12 عاماً) يلعب كرة القدم أمام منزله في مخيم النصيرات للاجئين حين قُصفت المنطقة.

وقال لوكالة فرانس برس وهو جالس على كرسي متحرّك ويضع وشاح كرة قدم فلسطيني على كتفيه قرب مستشفى يتلقّى فيه العلاج في ضواحي باريس: «اعتقدت أن هناك حجراً على رجلي. أردت رفعه فوجدت رجلي مقطوعة».

انتقل آصف مع والدته رجاء عبد الكريم أبو مهادي إلى فرنسا لتلقّي العلاج.

غير أن الأم التي فقدت زوجها حين كان آصف رضيعا، لم تتمكّن من اصطحاب أبنائها الخمسة الآخرين إيناس (13 عاماً) وعائشة (15 عاماً) وأحمد (17 عاماً) ومؤيد (18 عاماً) ومحمد (20 عاماً).

وتقول السيدة البالغة 47 عاماً التي فقدت ثلاثة من أبناء أشقائها في الحرب، إن القلق ينهشها في انتظار الحصول على وضع لاجئة.

وأوضحت: «أرى أولاداً يُلقون بالنار وأخاف أن أسمع خبراً عن فقدان أولادي».

وأشارت إلى أن ابنها آصف الذي يعاني من اكتئاب شديد، لن يشفى بشكل كامل دون إخوته.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها أجلت نحو 300 شخص من غزة منذ اندلاع الحرب، بينهم 15 طفلاً فلسطينياً مصابين ومرافقوهم، مشيرة إلى أن عدم تمكّن بعض أفراد العائلات من الذهاب إلى فرنسا غير مرتبط بطلبات اللجوء.

وأوضحت أن ذلك يعود إلى كون «السلطات الإسرائيلية لم تسمح بذلك» أو إلى أن معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر «مغلق منذ أيار/مايو».

لم يعد الناس يستغربون
كان ماجد أبو شملة (26 عاماً) خارج القطاع حين اندلعت الحرب التي تابعها عن بعد خلال الأشهر الأولى بينما كانت عائلته تحاول الخروج من القطاع الفلسطيني.

تمكّن منذ ذلك الحين من اللقاء بوالدته وأشقائه السبعة وابنة أحدهم البالغة ثلاثة أعوام، في فرنسا.

غير أن ضربة إسرائيلية على مدينة رفح بجنوب قطاع غزة في 13 كانون الأول/ديسمبر أدت إلى استشهاد والده أحمد أبو شملة الذي كان موظفاً قنصلياً في المعهد الفرنسي في غزة.

ويُظهر مقطع فيديو شاركه ماجد مع فرانس برس، لكن لا يقوى هو على مشاهدته، رجالاً يُخرجون جثة والده من تحت الركام وبدا رأسه مجروحاً.

وكان أحمد أبو شملة قد حصل في الشهر السابق للضربة على إذن بمغادرة غزة مع جزء من عائلته، لكنه أراد البقاء حتى السماح لأربعة من أبنائه بالخروج أيضاً.

وتمكّن الأربعة، بينهم اثنان أُصيبا في الضربة نفسها التي أدت إلى استشهاد والدهما، من المغادرة في نهاية كانون الأول/ديسمبر.

وتقيم العائلة اليوم في منطقة باريس، غير أن ماجد أبو شملة يؤكد أن المضي قدماً في الحياة أمر بالغ الصعوبة.

وقال مهندس البرمجيات لوكالة فرانس برس في مقهى في باريس: «نعيش جسدياً في فرنسا ونحاول التعايش مع ذلك، لكننا مسمّرون أمام نشرات الأخبار طوال اليوم».

وأشار إلى أن الحرب خطفت منه أيضاً زوج خالته وأبناء عمته الثلاثة، فيما توفيت جدّته لوالده قبل ثلاثة أسابيع تقريباً بسبب شحّ الأدوية في قطاع غزة.

ولفت إلى أنه فقد الاتصال بمعظم أصدقائه في المدرسة والجامعة. ويعتقد أن نحو 20 منهم قد قتلوا.

وأضاف: «لم يعد الناس يستغربون إن كنتَ ميتاً أم حياً. الوضع سيء لهذه الدرجة».

اقرأ أيضا