fbpx
ديسمبر 9, 2023 1:08 م

اللبنانيون والعالم نهاية الجغرافيا

ثمة مفارقةٌ ونقصٌ مؤلمان في لبنان.

هذا البلد الموقوف للتأثيرات والمتغيرات في الإقليم والعالم، والذي تتكرّر فيه بكثافة وبشكل يومي سيمفونية انتظاره التعليمات والتدخلات الخارجية، تراه مشدوداً إلى متابعات وتحليلات وخطابات مغرقة في محلّيتها وقدمها. وهذه هي المفارقة.

وفيما لا ينظر إلى خارج الصحن المحلي، لا يقرأ في أحوال العالم ومتغيراته وتأثيراته، ولا ينتج قراءات لأحواله وآفاقه ربطاً بما يحدث في العالم. وهذا هو النقص.

لعلّ الشعور القوي بأن لبنان بلدٌ صغيرٌ ويتأثّر أكثر مما هو مؤثّر، وتابع أكثر مما هو مستقل، هو سبب مهم وراء غرق اللبنانيات واللبنانيين في المحلية وكأنهم في جزيرة. لكن هذا تحوّل إلى قصر في النظر وتقصير في الوعي والقول والحركة.

في ذلك مفارقة ونقص لأن اللبنانيات واللبنانيين، أبناء الهجرات المتواصلة منذ أواسط القرن التاسع عشر، مقبلون على العالم ومنفتحون عليه. وقد نشطوا في السنوات الماضية للحصول على جوازات السفر على اعتبار أنها أهم من “الهوية الوطنية”، وأكثر ضرورة منها. لكن، كأن اللبنانيات واللبنانيين ينفتحون على العالم كمهاجرين أو كمتلقّين فقط لا غير. فالعالم وتغيراته يتوقفان عند حدود لبنان. وفي حين لا يترافق الغرق في المحليّة مع وطنية ديمقراطية ومواطَنة ناضجة، لا تُترجم علاقة اللبنانيات واللبنانيين بالعالم “نظرة” دولية لوطنهم في الكوكب وما يجري فيه.

هكذا، يغدو اللبنانيات واللبنانيون في تناقض مخيف، في هوّة عميقة.

فهم ليسوا ثابتين ومتقهقرين في عالم متغيّر فحسب، بل هم محكومون بنظرات قديمة وماضوية في شؤون السياسة والدولة والاقتصاد والمجتمع والإنسان. وأكثر ما يُذكَر في هذا السياق أنّهم وفيما يتنامي السؤال بين أمم العالم وفي أنديته السياسية ومراكز البحوث والتفكير عن الدولة ووظائفها وأدوارها في حماية المجتمع والإنسان والكوكب، إزاء الأزمات الاقتصادية والحروب والمخاطر الأمنية والجوائح الصحية والمشكلات البيئية… إلخ، تمسّك كثيرون منهم بالآليات والقوى التي تدمّر الدولة.

لا شك في أن للانهيار الاقتصادي والأزمات السياسية المتراكمة دوراً رئيساً في هذا الغرق بالمحليّة، لكن هناك أسباباً أخرى. وفي مقدّمة تلك الأسباب تبرز الخطابات السياسية الضيقة والقاصرة التي تنتجها قوى السلطة وتنتشر على المنابر وفي الإعلام ووسائل التواصل، وفي كل مكان.

أخيراً، ضجّ العالم بالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفياتي بأطروحة فرنسيس فوكوياما التي اعتبر فيها أنّ الرأسمالية هي “نهاية التاريخ”، وأنّ لا تقدّم للبشرية نحو الاشتراكية والشيوعية، كما تدّعي الماركسية.

الآن، ومع توقّف البشرية اللبنانية عند حدود لبنان نحس بـ”نهاية الجغرافيا” أيضاً.

حسان الزين – نداء الوطن

أخبار ذات صلة