منذ عقود طويلة، شكّل موضوع الرغبة الجنسية عند الرجل والمرأة محور نقاش متواصل بين العلماء والمجتمع، حيث ترتبط به تصورات اجتماعية وثقافية قد لا تعكس بالضرورة الواقع البيولوجي والنفسي. السؤال الذي يطرحه كثيرون هو: من يفكر في الجنس أكثر، الرجل أم المرأة؟ وهل الرغبة الجنسية مسألة هرمونية فقط، أم أن للعوامل النفسية والاجتماعية دوراً أساسياً فيها؟
الدراسات العلمية تكشف الفوارق
تشير العديد من الأبحاث إلى أنّ الرجال يميلون إلى التفكير في الجنس بشكل أكثر تكراراً من النساء. ففي دراسة شهيرة أجرتها جامعة أوهايو الأميركية عام 2012 على أكثر من 200 طالب وطالبة، تبيّن أن الرجل يفكر في الجنس بمعدل 19 مرة يومياً، مقابل 10 مرات فقط لدى المرأة. هذه الأرقام، رغم أنها متوسطة، توضح أن الجنس يحتل حيزاً أكبر في يوميات الرجل.

دراسة أخرى نشرت في مجلة Journal of Sex Research عام 2018 أظهرت أن 75% من الرجال يقرّون برغبتهم الجنسية المتكررة يومياً، بينما تنخفض النسبة إلى 53% عند النساء. ومع ذلك، أكدت الدراسة أن النساء قد يعبّرن عن رغبة جنسية أكثر استقراراً واستدامة على المدى الطويل، بخلاف الرجل الذي قد ترتفع أو تنخفض رغبته تبعاً للظروف.
العوامل البيولوجية والهرمونية
من الناحية البيولوجية، يعتبر هرمون التستوستيرون عاملاً أساسياً في زيادة الرغبة الجنسية عند الرجال. إذ تشير الدراسات إلى أن ارتفاع مستوى هذا الهرمون يرتبط بزيادة معدّل التفكير في الجنس، ما يفسر جزئياً الفارق بين الجنسين. في المقابل، لدى المرأة تلعب الهرمونات الأنثوية مثل الإستروجين والبروجستيرون دوراً أكثر تعقيداً، حيث تتأثر الرغبة الجنسية لديها بدورة الطمث، الحمل، وحتى مرحلة ما بعد الولادة.

إضافة إلى ذلك، أظهرت أبحاث أجريت في جامعة هارفرد أن مستويات الرغبة الجنسية لدى المرأة تتأثر بشكل مباشر بالحالة المزاجية، حيث يمكن أن ينعكس التوتر أو الاكتئاب بشكل سلبي على رغبتها الجنسية أكثر مما يحدث عند الرجل.
الجانب النفسي والاجتماعي
بعيداً عن الهرمونات، يرى خبراء علم النفس أنّ المجتمع يلعب دوراً كبيراً في تشكيل صورة الرغبة الجنسية. ففي مجتمعات كثيرة، يتم تشجيع الرجل على التعبير عن رغباته علناً، بينما تُربّى المرأة على الحياء والكتمان. هذا الفارق في التنشئة الاجتماعية يؤدي أحياناً إلى خلق انطباع خاطئ بأن النساء أقل رغبة، رغم أن العديد من الدراسات تؤكد أنهن قد يمتلكن مستوى رغبة مماثلاً للرجل لكنهن أقل تعبيراً عنه.
دراسة نشرت في جامعة شيكاغو عام 2020 أكدت أن 60% من النساء أبلغن عن رغبة جنسية قوية لكنهن لا يعبّرن عنها خوفاً من الوصمة الاجتماعية. في المقابل، عبّر 80% من الرجال عن مشاعرهم الجنسية دون تردد.
هل يتغير الفارق مع التقدم في العمر؟
العمر عامل مهم في تحديد الرغبة الجنسية. فبحسب تقارير المعهد الوطني للصحة الجنسية في بريطانيا، فإن الرغبة الجنسية عند الرجل تبدأ بالانخفاض تدريجياً بعد سن الأربعين بسبب تراجع هرمون التستوستيرون. أما عند المرأة، فقد تزداد الرغبة الجنسية في سن الثلاثينات والأربعينات، وهو ما يُعرف بـ”قمة الرغبة الأنثوية”، حيث تشعر الكثير من النساء بزيادة في الرغبة والثقة بالنفس في تلك المرحلة.
هذا التباين يجعل من الصعب إطلاق حكم مطلق بأن الرجل دائماً أكثر رغبة، إذ تتبدل المعطيات مع مرور السنوات.
رأي الخبراء
يؤكد خبراء العلاقات الزوجية أن الفارق بين الرجل والمرأة ليس بالضرورة صراعاً أو تناقضاً، بل يمكن النظر إليه على أنه تكامل. إذ يقول الدكتور “مارك ريجز”، أخصائي علم النفس الجنسي: “الرجال يفكرون في الجنس بشكل متكرر، لكن النساء عندما يرغبن في الجنس فإنهن يركزن أكثر على الجودة والحميمية، وليس فقط على الكم.”
وتضيف الدكتورة “ليلى حمدان”، أخصائية علم النفس في بيروت: “من الخطأ الاعتقاد أن المرأة أقل رغبة من الرجل. الحقيقة أن رغبتها مرتبطة أكثر بالعاطفة والأمان النفسي، بينما رغبة الرجل قد تكون مستقلة عن تلك العوامل.”
من يفكر في الجنس أكثر؟
إذاً، هل يمكن القول إن الرجل يفكر في الجنس أكثر من المرأة؟ الإجابة العلمية هي نعم من حيث التكرار، لكن ليست بالضرورة من حيث الشدة أو الأهمية. الرجل قد يمر بخواطر جنسية يومية عديدة، بينما تميل المرأة إلى التفكير في الجنس بصورة أقل عدداً ولكن ربما أكثر عمقاً وارتباطاً بالمشاعر.
المحصلة النهائية التي يتفق عليها الخبراء هي أن الرغبة الجنسية مسألة فردية تختلف من شخص لآخر، ولا يمكن حصرها بجنس محدد فقط. ورغم أن الدراسات تؤكد أن الرجل أكثر تكراراً في التفكير الجنسي، فإن المرأة ليست أقل رغبة، بل إن رغبتها قد تكون أكثر استقراراً وارتباطاً بعوامل عاطفية ونفسية واجتماعية.














