لم تعد الرغبة الجنسية لدى النساء موضوعًا خفيًا أو محظورًا كما في الماضي، بل أصبحت اليوم محورًا للدراسة والفهم النفسي والاجتماعي. وبينما لا تزال المجتمعات العربية تنظر بحذر إلى بعض الممارسات، إلا أنّ الفضول حول الجنس الثلاثي أو ما يُعرف بالـ Threesome بدأ يظهر بشكل أكبر في النقاشات النسائية الخاصة وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
فلماذا تفكر بعض النساء في خوض تجربة كهذه، حتى وهنّ في علاقات مستقرة أو زواج قائم على الحب؟ وهل الأمر مجرد فضول جنسي، أم أنه بحث عن معنى أعمق للمتعة والعاطفة؟
أولًا: بين الخيال والواقع
تشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أنّ أكثر من 30% من النساء المتزوجات أو المرتبطات فكّرن يومًا ما في تجربة جنسية ثلاثية، ولو على مستوى الخيال فقط. ويفسّر علم النفس الجنسي هذا الميل على أنه تجسيد لرغبة داخلية في الاستكشاف والتنوّع، وليس بالضرورة دلالة على خلل في العلاقة الحالية.
تقول الدكتورة ريما شرف الدين، المعالجة الجنسية في مركز “الحياة المتوازنة” ببيروت:
“الخيال الجنسي هو مساحة آمنة تعبّر فيها المرأة عن جانبها الحرّ دون خوف من الحكم الأخلاقي أو الاجتماعي، وغالبًا ما يكون الجنس الثلاثي أحد أكثر هذه الخيالات شيوعًا.”
إذن، التفكير في التجربة لا يعني بالضرورة الرغبة في تنفيذها، بل هو انعكاس لحاجة داخلية إلى كسر النمطية وإشباع الفضول الجنسي بطريقة ذهنية آمنة.
ثانيًا: الرغبة في التنوع والتجديد
تُظهر الأبحاث أن الرتابة الجنسية هي من أكثر أسباب تراجع الرغبة بين الأزواج، خصوصًا بعد سنوات من الزواج أو بعد الإنجاب. وفي هذا الإطار، قد تلجأ بعض النساء إلى الخيال الثلاثي كوسيلة ذهنية لتجديد الإثارة، دون أن ينعكس ذلك فعلًا على أرض الواقع.
فبحسب دراسة أجرتها جامعة شيكاغو عام 2023، أفادت 27% من النساء اللواتي فكّرن في الجنس الثلاثي أن الدافع الأساسي كان البحث عن تجربة جديدة تحرّك الرغبة وتكسر الملل، لا الرغبة في خيانة الشريك.
ثالثًا: الشعور بالقوة والسيطرة
غالبًا ما تربط النساء بين المتعة والسيطرة النفسية. توضح الدكتورة لينا عبد النور، خبيرة علم النفس الجنسي:
“المرأة في التجربة الثلاثية، خصوصًا إن كانت هي محور العلاقة، تشعر بأن جسدها ورغباتها في مركز الحدث، وهو ما يمنحها إحساسًا غير مسبوق بالقوة الأنثوية.”
إذن، بالنسبة لبعض النساء، لا يكون الجنس الثلاثي بحثًا عن متعة جسدية فقط، بل تجربة رمزية تمنحهنّ شعورًا بالتمكين والتحكم بالرغبة.
رابعًا: بين الخيال النسائي والواقع الاجتماعي
من جهة أخرى، يجب التمييز بين ما تفكر به النساء في خيالهن، وما يرغبن فعلًا في تطبيقه. ففي حين تتخيل بعض النساء مشهدًا ثلاثيًا كجزء من الخيال، إلا أن الواقع الاجتماعي والعاطفي يجعل الفكرة صعبة التحقق دون عواقب. فالغيرة، والخوف من فقدان الثقة، والارتباط العاطفي القوي بالشريك، كلها عوامل تحدّ من تطبيق هذا الخيال عمليًا.
توضح دراسة صادرة عن المعهد الأوروبي للعلاقات الزوجية أن 90% من النساء اللواتي فكّرن في الجنس الثلاثي لا يرغبن فعليًا في تنفيذه، لأنهن يدركن أن تأثيره النفسي قد يكون سلبيًا على العلاقة طويلة الأمد.
خامسًا: دور الإعلام والثقافة الجنسية الحديثة
لا يمكن تجاهل تأثير الأفلام والمسلسلات الغربية في نشر فكرة التجربة الثلاثية بوصفها “رمزًا للتحرر الجنسي”. ومع انتشار المنصات الرقمية، أصبح الوصول إلى هذا المحتوى أسهل، مما أثار فضول كثير من النساء لاكتشاف حدود الرغبة الأنثوية.
غير أن الخبراء يحذّرون من الانسياق وراء الصور المثالية التي يروّجها الإعلام، لأن الواقع النفسي مختلف تمامًا. فالعلاقات المعقدة والمشاعر المتداخلة قد تجعل من التجربة عبئًا عاطفيًا لا مصدرًا للمتعة.
سادسًا: البعد النفسي الأعمق
في بعض الحالات، قد ترتبط الرغبة في الجنس الثلاثي بحاجة المرأة إلى التأكيد على جاذبيتها أو اختبار مدى تقبلها جسديًا من أكثر من طرف. هذه الحالة ليست مرضية بالضرورة، لكنها تشير إلى بحث داخلي عن القبول والاعتراف بالجمال والرغبة.
يقول الدكتور سمير العوض، أخصائي العلاج السلوكي:
“المرأة التي مرت بتجربة فقدان الثقة بنفسها، أو شعرت بأنها لم تعد مرغوبة، قد تتخيل تجربة ثلاثية كنوع من الترميم النفسي لثقتها بجسدها.”
سابعًا: الجانب العاطفي الخفي
المثير في الأمر أن كثيرًا من النساء اللواتي تحدّثن في استطلاعات علمية عن هذا الخيال، أكدن أن الفكرة لا تتعلق بالجنس بقدر ما تتعلق بالشعور بالمشاركة والانفتاح، أي بالحميمية الجماعية التي تكسر العزلة. بعبارة أخرى، الخيال الثلاثي ليس بالضرورة رغبة في “الجنس الجماعي”، بل في اتصال أعمق بالجسد والعاطفة.
ثامنًا: هل يمكن أن تضر التجربة بالعلاقة الزوجية؟
الجواب يختلف بحسب وعي الطرفين وحدود العلاقة. فالخبراء يؤكدون أن أي تجربة من هذا النوع تحتاج إلى اتفاق عاطفي ونفسي متكامل، وإلا فإنها قد تترك أثرًا من الغيرة أو الندم يصعب تجاوزه. ومن هنا، فإن التفكير في التجربة لا يجب أن يتحول إلى تطبيق فعلي إلا في حالات نادرة، وبعد استشارة مختصين بالعلاقات.
تفكير بعض النساء في تجربة الجنس الثلاثي لا يعني انحرافًا أو خيانة، بل هو تعبير إنساني عن الفضول والرغبة في التنوع والاستكشاف. فكل خيال يحمل رسالة من الجسد والعقل معًا، وعلى المرأة أن تتعامل مع تلك الرسائل بوعي ونضج، دون خوف أو اندفاع.
فالخيال الجنسي مساحة آمنة للفهم الذاتي، لكن التنفيذ يحتاج إلى توازن نفسي ووضوح في الحدود العاطفية.
حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية يرجى عدم نسخ ما يزيد عن 20 في المئة من مضمون الخبر مع ذكر اسم موقع Dailybeirut وارفاقه برابط الخبر.