داء الليشمانيات في سوريا: وباء صامت يتفاقم بفعل الحرب والنزوح

يُعد داء الليشمانيات مرضًا طفيليًا متوطنًا في المناطق المدارية وشبه المدارية، ويؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم. وفي سوريا، تتفاقم خطورته بفعل عوامل متعددة تشمل انهيار النظام الصحي، توقف برامج المكافحة، وتزايد أعداد النازحين، ما جعل هذا الطفيلي القاتل يجد بيئة مثالية للانتشار من القرى إلى المخيمات ومن سوريا إلى الحدود مع الدول المجاورة.

المرض وأسبابه

داء الليشمانيات ينتقل عبر نواقل حشرية، وأبرزها ذبابة الرمل (Phlebotomus)، وتتفاوت أعراضه بحسب نوع الطفيلي والمناعة الجسدية للمصاب. وقد كان متوطناً في سوريا منذ الثمانينيات، خصوصًا في ريفَي حلب ودمشق، إلا أن تغير المناخ ساهم في توسيع نطاق انتشاره، حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار إلى إطالة موسم نشاط ذباب الرمل وزيادة فرص العدوى. كما ساهم الدمار العمراني وتكدس الأنقاض والمخلفات في خلق بيئات خصبة لتكاثر الذباب، مما أعاد ظهور المرض بعد عام 2011 بوتيرة غير مسبوقة.

الحرب والنزوح… وقود انتشار المرض

مع اندلاع النزاع السوري في مارس 2011، انهارت برامج مكافحة النواقل وتوقفت حملات الرش بالمبيدات. كما أسهم أكثر من 7.2 ملايين نازح داخلي في نقل العدوى إلى مناطق جديدة لم تكن موبوءة سابقًا، مثل الرقة ودير الزور والحسكة. كما سجّلت زيادة حادة بين اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن، إذ بلغت الإصابات 90 ألف حالة جديدة في 2019 مقارنة بـ23 ألفًا قبل الحرب، ما يعكس الانهيار الكامل في بنية النظام الصحي والرقابي.

الفقر وتدهور الخدمات الصحية

تشير تقارير مبادرة منتور (MENTOR) لعام 2024 إلى أن انقطاع التمويل الدولي أدى إلى إغلاق مراكز العلاج في شمال شرق سوريا، ما حرَم ملايين الأشخاص من خدمات التشخيص والعلاج. ويحذر الأطباء من مقاومة دوائية محتملة ضد مضادات الطفيليات، في حين لا تزال اللقاحات غائبة. وتبقى وسائل الوقاية الأساسية محصورة في المبيدات وتحسين إدارة النفايات والمياه.

الوصمة الاجتماعية والآثار النفسية

المرض لا يؤثر على الجسد فقط، بل يمتد إلى النفس والمجتمع، إذ تسبب الآفات الجلدية المشوهة في الوجه وصمة اجتماعية قاسية، خاصة بين النساء والفتيات، ما يؤثر على فرص الزواج والتعليم والعمل. كما يعاني الأطفال في المخيمات من نقص الرعاية الصحية وسوء الصرف الصحي، مما يزيد من تعرضهم للعدوى المتكررة.

المناخ كعامل خفي

وفق تقرير الفريق الدولي لتغير المناخ (IPCC, 2023)، أدى ارتفاع الحرارة والجفاف المتكرر في سوريا إلى اختلال النظم البيئية، وزيادة تكاثر ذباب الرمل قرب المناطق السكنية. كما ساهمت الفيضانات الموسمية في خلق بيئات رطبة مثالية لتكاثر الناقلات، في حين تسبب تراجع الغطاء النباتي في اقتراب الذباب من البشر والحيوانات المنزلية على حد سواء.

تحديات التشخيص والعلاج

تعتمد سوريا على الفحص المجهري التقليدي في تشخيص المرض، في ظل غياب التقنيات الحديثة، فيما يتوزع العلاج بين الحقن الموضعية والأدوية الفموية، لكن نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار يقيد وصول المرضى للعلاج.

الدعوة إلى تحرك عاجل

دعت الجمعية الأوروبية لعلم الأحياء الدقيقة السريرية والأمراض المعدية (ESCMID) إلى تحرك دولي عاجل لمواجهة داء الليشمانيات في سوريا، وتبني نهج “الصحة الواحدة” (One Health) الذي يربط بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة، وتمكين المنظمات المحلية من قيادة جهود المكافحة المستدامة.

داء الليشمانيات في سوريا لم يعد مجرد عدوى جلدية، بل أصبح مرآة لانهيار النظام الصحي والاجتماعي والبيئي، إذ يجد هذا الطفيلي أرضًا خصبة للانتشار بين الحرب والنزوح والفقر والتغير المناخي.

اقرأ أيضا