إنها جلسة تاريخية، هكذا وصف أكثر من مسؤول لبناني جلسة مجلس الوزراء التي بحثت في حصرية السلاح في يد الدولة تحت عنوان “استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري للحكومة، وتحديداً في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة اللبنانية على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً، ومناقشة الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024”. والمقصود بالبند هو سلاح “حزب الله” والسلاح الفلسطيني في المخيمات.
وقبيل الجلسة، استبعد الوزير الشيعي الخامس فادي مكي انسحاب وزراء “الثنائي” من الجلسة، فيما ربط وزير الصحة ركان ناصر الدين المحسوب على “حزب الله” المقاطعة بمداولات الجلسة، قائلاً “يُبنى على الشيء مقتضاه”. أما الوزيرتان لورا الخازن وحنين السيد فأكدتا تأييدهما حصرية السلاح.
وكانت استمرت المشاورات السياسية بين الرؤساء الثلاثة في لبنان قبيل اننعقاد جلسة مجلس الوزراء بعد الظهر في قصر بعبدا لبحث حصرية السلاح بحسب جدول الأعمال وسط محاولات من قبل “حزب الله” لاستبعاد وضع أي جدول زمني لتسليم السلاح قبل وقف الاعمال العدائية الإسرائيلية والانسحاب من النقاط الخمس وإطلاق الأسرى. وكُشف النقاب عن سعي “الثنائي الشيعي” لتأخير بند حصرية السلاح إلى نهاية الجلسة أو تأجيل بتّه لغاية يوم الخميس.
إلا أن هذا المسعى لم يسلك طريقه في ظل دفع من رئيسي الجمهورية جوزف عون ونواف سلام الملتزمين بمعادلة “الاستقرار أو الانهيار” ودفع مماثل من وزراء “القوات اللبنانية” والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي لوضع جدول زمني لتسليم السلاح قبل نهاية السنة الحالية.
مشاورات بين الرؤساء
وشهدت المقرات الرئاسية حركة مشاورات وخصوصاً بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من جهة، وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري وموفد للرئيس عون من جهة أخرى لبحث الرد الأمريكي الذي تبلّغه لبنان وركّز بشكل حازم على تحديد الحكومة اللبنانية مهلة زمنية لسحب كل أنواع السلاح وبسط سلطة الدولة على كامل التراب اللبناني، من دون منح أي ضمانات يطالب بها “حزب الله”.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن رئيس الجمهورية تفهمه جزئيًا لموقف “حزب الله” حول كيفية مواجهة إسرائيل في حال التخلي عن وسائل الدفاع، لكنه شدد على “أن موقف الحكومة واضح، لا بد من أن يتخلى حزب الله عن سلاحه كخطوة أولى”، وقال “مخاوفهم مشروعة، لكننا أخبرناهم مرارًا أن الجيش والدولة مسؤولان عن حماية الجميع، بمن فيهم حزب الله”.
بلبلة حول «قمصان سود»
توازياً، سادت بلبلة بعد تحركات لدراجات نارية في الضاحية الجنوبية احتجاجاً على بحث حصرية السلاح، بعد بيان لعشائر البقاع أبناء العشائر دعا “إلى حراك شعبي واسع وضخم، والانطلاق نحو العاصمة بيروت تزامنًا مع انعقاد الجلسة، في موقف تاريخي لن يُمحى من ذاكرة الوطن”. وحصل التباس صباح الثلاثاء بعد نشر صورة لشبان يرتدون قمصاناً سوداء ويتجمعون في منطقة خلدة، وساد اعتقاد أن هذا التجمع يندرج في إطار تعبئة الشارع لتعطيل جلسة مجلس الوزراء قبل أن يتبيّن أن هذا التجمع هو للاحتفال بافتتاح أحد المطاعم. فيما تحدث البعض عن نصائح أسديت لـ”حزب الله” بالابتعاد عن لعبة الشارع وعدم المساس بالاستقرار لأنها تنطوي على مغامرة غير محسوبة النتائج.
وأوضح عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي المقداد “أن التحركات في الضاحية عفوية تعبّر عن نبض الشارع”، نافيًا “وجود قرار يشبه ما حصل عام 2008 وأدى إلى أحداث 7 أيار/مايو”. وتعليقاً على احتمال التصويت على نزع سلاح “حزب الله” في مجلس الوزراء، قال “لن نوقّع على قرار بإعدام السيادة أو محو قسم كبير من اللبنانيين عن الوجود”.
وفي إطار توفير غطاء جديد لسلاح “الحزب”، زار وفد من كتلة “الوفاء للمقاومة” رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بعد يوم واحد على زيارة الرئيس السابق ميشال عون، وأشار النائب علي فياض إلى “أن العقبة امام بناء الدولة هو العدوان الإسرائيلي”. وقال “أبرز الموضوعات التي ناقشناها ما يتصل باستمرار الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وعدم التزام العدو الإسرائيلي بوقف إطلاق النار والمترتبات على هذا الموضوع في ظل ما يتعرض له البلد من ضغوط خارجية”، مضيفاً “تشاركنا مع الوزير باسيل حول المخاطر القائمة أو المحتملة التي يتعرض لها البلد، وكما هو معروف فالبلد الآن هو عرضة لمخاطر سيادية استراتيجية كبرى وفي بعض الاحيان نحشى أن تكون مخاطر وجودية. وأسوأ سيناريو الآن، الذي يجب أن نحتاط له جميعاً هو تحويل المشكلة من مشكلة لبنانية إسرائيلية إلى مشكلة لبنانية لبنانية، هذا ما لا نريده على الإطلاق”.
مرونة بري
وكانت الأوساط الاعلامية القريبة من “حزب الله” رأت أن لبنان يقف اليوم أمام لحظة مفصلية في تاريخه السياسي، واعتبرت جلسة مجلس الوزراء من أكثر نقاط التحدي حيال ملف السيادة الوطنية. وأوردت صحيفة “الأخبار” “أن أهل الحكم أظهروا بشكل لا لبس فيه، خضوعهم التام لرغبات الوصاية الخارجية، الأمريكية والسعودية، والتي لا تعمل إلا لتحقيق المصلحة الإسرائيلية. بينما تكثّفت الاتصالات محاوِلةً اجتراح صيغ توافقية إنقاذية لئلا تنزلق البلاد إلى الفوضى الكاملة، مع بقاء الخلاف حول أيهما أولاً: ورقة المبعوث الأمريكي توماس براك أم ورقة لبنان؟”.
وفي وقت يشاع عن عدم تجانس بين الرئيس بري و”حزب الله” في كيفية التعاطي مع جلسة مجلس الوزراء، لفت أن صحيفة “الاخبار” توجهت إلى رئيس مجلس النواب بالسؤال عن “آلية تعاطيه في هذه المرحلة مع أطراف الوصاية الخارجية من جهة، ومع شركائه في الحكم من جهة أخرى؟ وعما تحقق فعلياً نتيجة اعتماد سياسة بدت، في كثير من الأحيان، مرنة إلى حد المبالغة، ليس فقط في التعامل مع ممثّلي الوصاية داخل لبنان، بل مع أطراف الوصاية أنفسهم؟”. ولوّحت “بمراجعة المقاومة سياسة الانفتاح والتعاون التي اعتمدتها منذ وقف إطلاق النار وانتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة… وقد تجد نفسها في لحظة تحتاج فيها إلى ما هو أبعد من البيانات والمواقف فقط!”. أما الرئيس بري فأكد امام زواره “حرصه على كل ما يخدم لبنان ولا يهدد أمنه”، وقال “لن نراعي إلا مصلحة لبنان”.
قاسم: لا لتجريد لبنان من قوته
من جهته، أعلن أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم رفضه “الموافقة على أي اتفاق جديد”، وقال “عليهم تنفيذ الاتفاق القديم وأي جدول زمني يعرض لينفذ تحت سقف العدوان الإسرائيلي لا نوافق عليه، كما لا نوافق على تخلي لبنان تدريجياً عن قوته وبقاء أوراق القوة كاملة بيد العدو الإسرائيلي”، ورأى “أن مصلحة إسرائيل ألا تذهب لعدوان واسع، لأن المقاومة ستدافع والجيش سيدافع والشعب سيدافع وستسقط صواريخ في داخل الكيان وكل الأمن الذي بنوا عليه لمدة 8 أشهر يسقط في ساعة واحدة”.
وكرّر قاسم الكلام عن “أن اتفاق وقف إطلاق النار أبرز تعاونًا وثيقًا بين المقاومة والدولة وهو من أرقى أشكال التعاون حيث سهّلت المقاومة للدولة كل الاجراءات المطلوبة في الاتفاق بدون أي تأجيل”، ورأى “أن إسرائيل ندمت على هذا الاتفاق، واعتبرت أنه يعطي حزب الله قدرة على استمرار القوة الموجودة في لبنان ولذلك لم تلتزم بالاتفاق”.
وأكد قاسم “أن أمريكا أتت بإملاءات لنزع قوة وقدرة لبنان والمقاومة والشعب بالكامل”، مشيراً إلى “أن توم براك اشترط نزع السلاح في 30 يومًا حتى القنبلة اليدوية وقذائف الهاون أي الأسلحة التي تُعد بسيطة، كما اشترط أن يفكك 50٪ من القدرة في غضون شهر، ولكنهم لا يعلمون مستوى قدرتنا حتى يحددوا الـ50٪”، وأضاف “براك قال إنه بعد هذه الاجراءات تنسحب إسرائيل من النقاط الخمس”. ولفت إلى “أن أمريكا أرادت في ورقتها تجريد لبنان من قدرته العسكرية المتمثلة بالمقاومة ومنع الجيش من الحصول على سلاح يؤثر على إسرائيل، وهي تقول إنه في حال مخالفة الاتفاق يمكننا إدانة إسرائيل من مجلس الأمن الدولي، بينما إذا خالف لبنان فيتم تجميد المساعدات ويخضع للعقوبات الاقتصادية أكثر من المفروضة عليه”.
«لن نكون عبيداً لأحد»
وتابع “نحن لا نقبل أن نكون عبيدًا لأحد ومن يحدّثنا عن التنازل لأن هناك منعاً للتمويل نسأله عن أي تمويل يتحدث؟، معتبراً “أن دعم الجيش مربوط بتأديته وظيفة محلية وليس لمجابهة إسرائيل ولذلك فهو ليس دعمًا”.
وختم “البيان الوزاري يتحدث عن تحصين السيادة فهل التخلي عن السلاح بناء على طلب إسرائيل وأمريكا وبعض الدول العربية هو تحصين للسيادة؟ البيان الوزاري يتحدث عن ردع المعتدين ولكن أين الدولة التي تدفع البلاء عن لبنان؟ وأين الدفاع عن الحدود والثغور؟ وإن قلتم ليس بمقدوركم إذًا دعونا نحافظ على القدرة ونبنيها”. ولم يوفّر قاسم رئيس الحكومة من الانتقاد بقوله “يتغنى بفقرة التزام الحكومة باتخاذ الاجراءات كافة لتحرير جميع الأراضي من الاحتلال الإسرائيلي، ولكن أين هذه الاجراءات؟”، وإستطرد “على الدولة تأمين الحماية لا أن تجرد شعبها ومقاومتها من قوتها بل عليها الاستفادة منها بدلاً من سحب السلاح كُرمى لعيون إسرائيل وأمريكا وإحدى الدول العربية”. وبعد كلمة أمين عام “الحزب” اتخذ الجيش اللبناني تدابير لمنع خروج مسيرة دراجات نارية من الضاحية الجنوبية.
ستريدا جعجع
وفي المواقف، استحضرت النائبة ستريدا جعجع مبادئ واردة في الدستور، وكتبت على صفحاتها الرسمية عبر مواقع التواصل الإجتماعي: “اليوم يجب أن يكون لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه… اليوم يجب احترام دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه…اليوم لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك… اليوم الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية.. اليوم مجلس الوزراء يضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ويتخذ القرارات اللازمة لتطبيقها، لا سيما في مجال الأمن والدفاع الوطني..”. وأضافت “اليوم علينا جميعاً أن ندرك حجم المسؤولية الملقاة على كاهلنا وحجم التداعيات والأخطار التي تحدق بمستقبل بلادنا وشعبنا…اليوم جل ما يجب علينا القيام به هو احترام أنفسنا كدولة لها دستور وقوانين ومؤسسات دستورية…”.
ودوّن النائب التغييري مارك ضو على منصة “إكس”: “صار حزب الله خائفًا من جلسة حكومية تنهي خروجه عن الشرعية”، وقال “آن أوان عودة الجميع إلى سلطة الشرعية”.
الدويهي: مسؤولية تاريخية
ولفت النائب التغييري ميشال الدويهي ايضاً إلى “أن جلسة مجلس الوزراء ليست جلسة عادية بأي مقياس، ولا يجوز التساهل في توصيفها أو التهوين من وقعها”. واعتبر “أنها امتحان تاريخي مصيري يتجاوز السياسة كما نعرفها، ويعلو فوق منطق التشاطر والالتفاف الذي طبع الحياة السياسية اللبنانية منذ عقود”، قائلاً “عاش اللبنانيون في دوامة الإنكار والهروب إلى الأمام من الاستحقاقات الكبرى، ما أبقى البلد في حال من اللادولة، بلا سيادة فعلية ولا قرار حر، وبالتالي بلا استقرار ولا ازدهار، وهي المطالب التي لطالما طمح إليها اللبنانيون قبل أن تكون مطالب المجتمع الدولي”. واضاف “إذاً، تقع على عاتق السلطة الإجرائية، أي الحكومة ورئيس الجمهورية، مسؤولية تاريخية لا تحتمل التأجيل ولا التذاكي. المطلوب قرار تنفيذي واضح وصريح يترجم خطاب رئيس الجمهورية في 31 تموز/يوليو، الذي سمّى الأمور بأسمائها ودعا إلى حصر سلاح حزب الله بيد الجيش. لكن هذا القرار لن يكتمل ولن يكون جدّياً ما لم يُقرن بجدول زمني واضح للتنفيذ، ومن دون اجتهادات أو شروط مسبقة يفرضها الثنائي. أما أي تراجع أو تمييع، فلن يُفهم إلا كهروب إضافي وسقوط مدوٍّ في آخر اختبار للمؤسسات الدستورية، وفقدان للثقة بالعهد والحكومة، أمام مناورات فريق لم يكتفِ بتدمير البلد، بل لا زال يمعن بتدمير حياة اللبنانيين”.
أما الوزير والنائب السابق ميشال فرعون فخاطب رئيس الحكومة بالقول: “دولة الرئيس، ينتظر ويؤيد معظم اللبنانيّين اليوم القرار الحكومي، بادر بالنقاش واتخاذ قرارٍ حكوميٍ موازٍ وخاص لمسح ونزع السلاح فوراً في بيروت الكبرى”.
سعد الياس – القدس العربي














