الخيانة الزوجية تجربة مؤلمة، لا تؤثر فقط على العلاقة بين الزوجين، بل على الصحة النفسية والجسدية لكل طرف. بعد الانفجار العاطفي، غالبًا ما يجد الزوجان نفسيهما في دوامة من الشك والخوف والغضب، وهو ما يجعل فكرة إعادة بناء الثقة تبدو شبه مستحيلة.
لكن الخبراء يؤكدون أن استعادة الثقة ممكنة، بشرط اتباع خطوات عملية مدروسة، وفهم الجذور النفسية للخيانة.
أولًا: فهم طبيعة الخيانة وأسبابها
قبل التفكير في إعادة الثقة، يجب الوقوف عند سبب الخيانة. توضح الدكتورة ليلى منصور، معالجة نفسية مختصة بالعلاقات الزوجية:
“الخيانة ليست دائمًا نتيجة نفور من الشريك أو فقدان الحب. كثيرًا ما تكون محاولة لسد فجوة عاطفية، أو البحث عن الإثارة الجنسية، أو بسبب ضغوط نفسية، أو حتى تأثيرات خارجية مثل الصداقات أو الإعلام.”
فهم السبب الحقيقي يمكّن الزوجين من تحديد المشاكل الجوهرية ومعالجتها قبل إصلاح العلاقة، بدلاً من التركيز فقط على الأعراض السطحية.
ثانيًا: الاعتراف بالمشكلة والتواصل الصريح
أحد أكبر الأخطاء بعد اكتشاف الخيانة هو تجنب الحديث عنها أو محاولة “تجاوزها” سريعًا. التواصل الصريح ضروري، ويشمل:
إعطاء كل طرف مساحة للتعبير عن مشاعره دون مقاطعة أو لوم.
طرح الأسئلة بصدق لفهم دوافع الخيانة والظروف التي أدت إليها.
تحديد المشاعر الحالية مثل الغضب، الحزن، الخوف، والخيبة.
تقول الدكتورة هالة زيدان:
“الصمت أو التجاهل يزيد الألم ويعزز الشك، بينما النقاش الصريح يساعد على تفكيك المشاعر السلبية تدريجيًا.”
ثالثًا: وضع حدود واضحة
لإعادة الثقة، من الضروري أن يضع الزوجان حدودًا واضحة للتصرفات المستقبلية:
الاتفاق على الشفافية المطلقة في التواصل.
تحديد سلوكيات تعتبر خيانة أو تجاوزًا للعلاقة.
الالتزام بالمواعيد والالتزامات الأسرية التي تعزز الثقة.
هذه الحدود تعمل كـ خريطة طريق لتجنب الوقوع في نفس الأخطاء، وتمنح كل طرف شعورًا بالأمان النفسي.
رابعًا: الاستعانة بمختصين
العلاج النفسي أو الاستشارات الزوجية يلعب دورًا محوريًا في إعادة بناء الثقة بشكل منهجي.
المعالج يساعد الزوجين على التعرف على الأنماط السلوكية السلبية.
يعزز القدرة على التعبير عن المشاعر دون لوم أو دفاعية.
يقترح تمارين لتعزيز القرب العاطفي والجسدي بين الزوجين.
الدكتورة ريما شرف الدين تقول:
“الاستعانة بمعالج يمكن أن يقلل من المخاطر العاطفية ويزيد فرص نجاح إعادة بناء الثقة بشكل ملحوظ.”
خامسًا: إعادة بناء العلاقة العاطفية والجسدية
الثقة تتعلق بالعاطفة أكثر من مجرد الالتزام أو التصرفات. لتعزيز الثقة، يحتاج الزوجان إلى:
إعادة إثارة الرغبة الجنسية بطريقة مدروسة: تجديد المواعدة، المفاجآت الصغيرة، التجارب الحميمة الجديدة.
التواصل العاطفي العميق: الحديث عن المشاعر، الأحلام، والمخاوف.
كل خطوة تعزز الشعور بأن العلاقة آمنة وموثوقة من جديد.
سادسًا: إدارة المشاعر السلبية
بعد الخيانة، لا تختفي المشاعر السلبية تلقائيًا. التعامل معها يتطلب:
تقبل الألم والغضب: الاعتراف بالمشاعر دون محاولة قمعها.
تجنب الانتقام أو المقارنة: التركيز على المستقبل بدلاً من الماضي.
ممارسة الرياضة والاسترخاء: التخفيف من التوتر النفسي والعاطفي.
الدراسات تشير إلى أن التحكم في الغضب والقلق يساعد الزوجين على إعادة بناء الثقة بنسبة أكبر من 60% خلال السنة الأولى بعد الخيانة.
سابعًا: الصبر والمثابرة
إعادة الثقة ليست عملية سريعة. تحتاج إلى شهور وربما سنوات من العمل المستمر. الصبر، الالتزام، والرغبة الصادقة في إصلاح العلاقة هي عوامل نجاح أساسية.
كما تقول الدكتورة نسرين درويش:
“التغيير التدريجي والسلوكيات الصغيرة المتسقة أهم من الكلمات المعسولة. الثقة تُبنى على الأفعال لا الشعارات.”
خلاصة
إعادة بناء الثقة بعد الخيانة ممكنة، لكنها تتطلب: فهم السبب، تواصل صريح، حدود واضحة، دعم مختصين، قرب عاطفي وجسدي، إدارة مشاعر سلبية، وصبر طويل. الزوجان اللذان يلتزمان بهذه الخطوات ليس فقط قادرين على استعادة العلاقة، بل غالبًا ما يخرجون منها أقوى وأكثر فهمًا لأنفسهم ولشريكهم.
حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية يرجى عدم نسخ ما يزيد عن 20 في المئة من مضمون الخبر مع ذكر اسم موقع Dailybeirut وارفاقه برابط الخبر.