كشف تحقيق لصحيفة “نيويورك تايمز”، أنّ شركة النقل الذكي “أوبر” قلّصت المعايير المستخدمة في فحص السائقين المحتملين، في إطار سعيها لتسريع انضمامهم إلى شبكة خدمات النقل التشاركي مع خفض التكاليف.
ورغم أنّ الشركة أكدت أنّ فحوص الخلفية الجنائية ضرورية لضمان سلامة الركاب، وأنّ جميع سائقيها اجتازوا فحصًا لسجلات الجرائم العنيفة، إلا أنّ هذا الادعاء، الوارد في موادها التسويقية، يتجاهل تفصيلًا بالغ الأهمية: إذ يُجيز النظام قبول أشخاص لديهم العديد من أنواع الإدانات الجنائية، بما في ذلك الجرائم العنيفة، وفق الصحيفة.
“أوبر” تقبل الأشخاص المدانين بجرائم
وتوصّلت الصحيفة إلى أنّ الشركة قامت في 22 ولاية أميركية بقبول أشخاص مدانين بمعظم الجرائم الأخرى، بما في ذلك إساءة معاملة الأطفال، والاعتداء، والمطاردة، شريطة أن تكون الإدانات قد مضى عليها 7 سنوات على الأقل.
بحسب التقرير، توجد ثغرات في فحوص أوبر. ففي 35 ولاية، تعتمد فحوص الخلفية الجنائية على مكان إقامة الشخص خلال السنوات الـ7 الماضية. والنتيجة هي أنّ جريمة وقعت في مكان آخر قد تمر من دون أن يلاحظها أحد.
على مرّ الزمن، درس المسؤولون التنفيذيون في الشركة، وفقًا لوثائق داخلية اطلعت عليها الصحيفة، توسيع نطاق أنواع الجرائم التي تُؤدي إلى استبعاد أيّ شخص، لكنهم قرروا في نهاية المطاف عدم القيام بذلك.
كما ناقشوا مدى دقة البحث عن السوابق الجنائية. وقالت رئيسة قسم اتصالات السلامة في “أوبر” بروك أندرسون، في رسالة بريد إلكتروني عام 2018 حول التحقق من السوابق: “بالتأكيد لا نبذل قصارى جهدنا”.
اعتداءات جنسية
وقالت نساء أبلغن عن تعرّضهنّ لاعتداءات جنسية أثناء رحلاتهنّ مع “أوبر”، إنّ ممارسات الشركة في التحقق من الخلفية عرّضتهن للخطر، وهي اتهامات وردت في دعاوى قضائية وسجلات محاكم أخرى اطلعت عليها صحيفة التايمز.
في عام 2020، اتُهم سائق أوبر في سان دييغو بمحاولة اغتصاب راكبة، ثم خنقها ورمي هاتفها من النافذة عندما حاولت مقاومته. وتضمن سجل السائق إدانات جنائية بالاعتداء بسلاح فتاك في عامي 2002 و2006.
وفي وقت سابق من عام 2020، أُلقي القبض عليه بعد ادعاء بالاغتصاب، لكن لم تُوجه إليه تهمة رسمية بعد. ولا تُعدّ الاعتقالات وحدها سببًا للاستبعاد من عمليات التحقق من الخلفية التي تجريها أوبر.
وفي العام التالي، اتُهم سائق أوبر في تامبا، فلوريدا، باغتصاب راكبة كانت تحتفل بعيد ميلادها الـ21. كان لدى السائق 8 إدانات جنائية، من بينها تهمة السطو المسلح عام 2002، بالإضافة إلى أكثر من 12 مخالفة مرورية.
وفي السنوات اللاحقة، اتُهم سائقون مدانون بالاعتداء، وإساءة معاملة الأطفال، والسطو المسلح، وجرائم أخرى، بالاعتداء الجنسي على ركاب في أنحاء البلاد، وفقًا لما توصلت إليه صحيفة التايمز.
اعتداء كل 8 دقائق
وفق الصحيفة، تُعدّ هذه الحوادث جزءًا من آفة العنف الجنسي أثناء رحلات أوبر. فقد تلقت شركة أوبر، عملاق خدمات النقل عبر التطبيقات، بلاغًا عن اعتداء جنسي أو سوء سلوك جنسي في الولايات المتحدة كل 8 دقائق تقريبًا في المتوسط، وذلك خلال الفترة من 2017 إلى 2024، وفقًا لبيانات داخلية كُشِف عنها في دعوى قضائية، وهو عدد يفوق بكثير ما أفصحت عنه الشركة علنًا.
من غير الواضح عدد الأشخاص ذوي السوابق الإجرامية العنيفة، الذين سُمح لهم بالعمل كسائقين لدى أوبر، ناهيك عن عدد هؤلاء السائقين الذين اعتدوا جنسيًا على الركاب، وفق الصحيفة.
في واحدة من أكثر عمليات التدقيق شمولًا حتى الآن، أجرى مسؤولون في ولاية ماساتشوستس فحوصًا خلفية لسائقي خدمات النقل التشاركي في الولاية عام 2017، بالتزامن مع دخول لوائح جديدة حيز التنفيذ، والتي فرضت معايير أكثر صرامة للفحص. وقد حظر المسؤولون أكثر من 8000 سائق، أي ما يقارب 11%، ممن سبق الموافقة عليهم.
بحسب الصحيفة، داخل الشركة، كان المسؤولون التنفيذيون على دراية تامة بانتشار العنف الجنسي أثناء الرحلات وعوامل الخطر المرتبطة بالاعتداءات، ومع ذلك، فقد أعطوا الأولوية مرارًا وتكرارًا لتوسيع أعمالهم على حساب توفير حماية أقوى للسائقين والركاب.
165 مليار دولار
مع نمو أوبر لتصبح عملاقًا عالميًا بقيمة 165 مليار دولار، نجحت في الضغط ضد القوانين المقترحة في العديد من الولايات، والتي كانت ستفرض فحوصًا أكثر صرامة. وتُظهر وثائق داخلية لم تُنشر سابقًا، أنّ أحد العناصر الرئيسية لتلك الحملة كان توطيد علاقاتها مع جماعات إصلاح نظام العدالة الجنائية، وفق التحقيق.
أكد خبراء السلامة العامة وغيرهم، ضرورة أن تطبّق شركة أوبر معايير أكثر صرامة لحماية الركاب الذين قد يكونون في حالة سكر أو نائمين أو في وضع هش آخر داخل سيارة يقودها شخص غريب.
ونظرًا لأنّ العنف الجنسي جريمة لا يتم الإبلاغ عنها بشكل كافٍ، فقد ذكر خبراء السلامة العامة والمشرعون وغيرهم، أنه ينبغي على شركات خدمات النقل عبر التطبيقات، بذل المزيد من الجهود لتدقيق وتدريب السائقين، الذين غالبًا ما يكونون بمفردهم في سيارات مع غرباء.
وأوضحوا أنّ ذلك قد يشمل إجراء مقابلات شخصية والتحقق من المراجع، بالإضافة إلى توفير المزيد من التوعية حول الاعتداء الجنسي، ومفهوم الموافقة، وواجب السائق في نقل الأشخاص بأمان.















