fbpx
مارس 29, 2024 11:36 ص
Search
Close this search box.

إلى أي سياسة بتروليّة يتطلّع لبنان؟

بترول

أسئلة كثيرة تطرح حول السياسات العامّة ومدى إرتباطها بمسؤوليّات الدولة التقليديّة. فمع مرور الزمن، تطوّرت أساليب إدارة الدولة شؤونَها بحيث أخذ مفهوم تدخّلها واحتكارها السياسات العامّة يتراجع أكثر فأكثر، بسبب فشلها في كثير من الأحيان في إدارة العديد من الملفات الإقتصاديّة والإجتماعيّة المختلفة.

في طبيعتها

بحسب البنك الدولي، «تشمل صناعة النفط والغاز مجموعة الأنشطة والعمليات المختلفة المتعلّقة باستغلال الثروة النفطية باكتشافها خاماً أو التي تساهم بشكل مشترك في تحويل الموارد البتروليّة الأساسيّة إلى منتجات سلعيّة نهائيّة قابلة للإستخدام من قبل المستهلك».

في لبنان، وباعتباره بلداً غير منتج للبترول، فقد كان على مرّ السنوات وما زال بلداً مستورداً لمصادر الطاقة المختلفة لتأمين حاجاته الداخليّة لاسيّما في ما خصّ تلك التي يتطلّبها إنتاج الكهرباء والقطاع الصناعي فضلاً عن قطاع النقل العام. بحيث شكّل في فترة ما قبل الثمانينات مركزاً لتكرير النفط الخام وتخزينه من خلال مصفاتي طرابلس والزهراني. إلّا أن وقف العمل بهذه المصافي يعتبر خطأً كبّد لبنان وما زال يكبّده خسائر ماليّة كبيرة إنعكست إرتفاعاً على فاتورة شرائه واستهلاكه المشتقات البتروليّة.

إذ يستورد لبنان المشتقات البتروليّة من مصافي جنوب أوروبا وفقاً للأسعار العالميّة. فلو بقيت هذه المصافي وتم تأهيلها لتمكّن لبنان من استيراد النفط الخام بأسعار «السبوت» ما سيسمح للمواطن اللبناني بشراء الوقود بأسعار أقل تكلفة. كما وسيسمح للدولة اللبنانيّة بزيادة مداخيلها عبر فرض الضرائب على هذه المشتقات، الأمر الذي سيؤدّي إلى التخفيف من الفاتورة الإنتاجيّة وبالتالي السماح بإنتاج الكهرباء بكلفة أقل. إن إنشاء مصافٍ يعتبر حجر الزاوية ليس فقط في خفض أسعار الوقود والإستفادة من الضرائب، ولكن يعتبر أيضاً أساسياً لتأمين الإستقلال الطاقوي للدولة اللبنانية.

من هنا التعويل على المرحلة المقبلة من أجل مواكبة التطوّرات المهمّة على صعيد الإكتشافات البترولية في لبنان. فبناء صناعة بتروليّة قويّة ومنافِسة يتطلّب حشداً للجهود المتخصّصة والمعنيّة في القطاعين العام والخاص وذلك من أجل مواجهة تحديات تلك الصناعة، كما والعمل على وضع الأطر المناسبة والممكنة لحل العقبات التي يمكن أن تعترضها بما يضمن نجاحها وازدهارها واستمرارها من جهة وبما يضمن النهوض الإقتصادي على المستوى الوطني من جهة أخرى.

في خصائصها

إن تنوّع أنشطة الصناعة البترولية وتعدّد مراحلها، يجعل من هذه الأخيرة متميّزة من غيرها من الصناعات الأخرى. إذ يمكن ربط خصائص الصناعة البتروليّة بمجالين أساسيّين وهما: المجال الأوّل على صعيد الاستثمار والإنتاج أمّا المجال الثاني فعلى صعيد المخاطرة.

على صعيد الإستثمار والإنتاج

تتطلّب الصناعة البترولية رؤوس أموال ضخمة من أجل استثمارها. فمقارنة بغيرها من الصناعات، تعتمد معظم قطاعات صناعة النفط على رأس مال ضخم وتتضمّن عموماً مخاطر ماليّة عالية. ففي لبنان قد تصل كلفة حفر كل بئر بترول في البحر حوالى 50 مليون دولار أميركي، وذلك لأن عمليات الحفر تحصل في مياه عميقة تصل إلى 1500 – 2000 متر تحت البحر، فكلّما زاد عمق وصعوبة استخراج البترول إزدادت كلفة استخراجه.

كذلك، فهي بحاجة إلى مهارات وتقنيات عالية تقوم على استعمال وسائل ومعدّات عمل متطوّرة تقنياً وتكنولوجياً، فضلاً عن حاجتها لتدريب خاص وتحصيل علمي متقدّم. كما تتميّز الصناعة البترولية بطول فترة الإنتاج التي تمتدّ لعشرات السنين الأمر الذي يزيد الآثار التي يتركها التطوّر التكنولوجيّ، كما وتغيّر طبيعة سوق النفط وعدم ثبات القدرات الإنتاجيّة، بالإضافة إلى صعوبة حساب تقلّبات أسعار صرف العملات المستخدمة في حساب النفقات. بحيث تختلف الربحيّة ومستوى النشاط باختلاف العرض والطلب في سوق النفط وظروف السوق.

فبحسب المادة 12 من قانون الموارد البترولية في المياه البحرية، تشمل إتفاقية الإستكشاف والإنتاج مرحلتين. مرحلة الإستكشاف لمدة لا تتجاوز (10) عشر سنوات ومرحلة الإنتاج لمدة لا تتجاوز (30) ثلاثين سنة.

على صعيد المخاطرة

تتميّز الصناعة البتروليّة بارتفاع نسب المخاطرة في معظم مراحلها الإستخراجيّة والتحويليّة، لأنها معرّضة لوقوع أحداث طارئة خارجة عن إرادة الأطراف المعنيّة وبخاصّة في مرحلة الإستكشاف والتنقيب التي تتطلّب دفع نفقات وتكاليف كبيرة من قبل الشركات النفطيّة، دون التأكد من وجود اكتشاف بتروليّ تجاري.

ولهذا السبب قرّرت وزارة الطاقة في السابق تأجيل عمليّة حفر الآبار عدة مرات، وذلك لأن الشركات البتروليّة المستثمرة في البلوكين 4 و9 إرتأت إعادة معالجة البيانات على ضوء التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت متوفّرة، فهذا من شأنه أن يزيد فرص النجاح. لأن هذه الفرص ليست مئة بالمئة، فعالم التكنولوجيا هو عالم الإحتمالات. وبالتالي عندما تكون فرص النجاح 20% يمكن أن تكون النتيجة وجود أربع آبار جافة من أصل خمس آبار. بالتالي كلّما تم الحصول على معلومات أكثر ومدققة ومحللّة أكثر، زادت فرص النجاح أكثر فأكثر، وقلّت إحتمالات الآبار الجافة التي تكلّف بسبب أسعارها المرتفعة ما سيوفّر على الدولة اللبنانية مصاريف غير مجدية.

ففي النظام التعاقدي اللبناني، تتحمّل الشركات كامل تكاليف المخاطرة. وفي حال أتت نتائج الإستكشافات والحفر سلبيّة تنهي الشركات البتروليّة المستثمرة عملها بدون أن تأخذ أي تعويض من قبل الدولة اللبنانيّة. بحيث لا يترتّب على الدولة دفع أي بدل أو أي مستحقات ماليّة للشركات تعويضاً عن نتائج المخاطرة السلبيّة، فالشركات تتحمّل وحدها ما يترتّب عن هذه النتائج.

من الواضح أن قطاع النفط والغاز هو قطاع يحمل نسباً عالية من المخاطر التي ترافقه. منها مخاطر جيولوجيّة كصعوبة التنبّؤ بحجم إحتياطي الثروة النفطيّة الموجودة في البحر اللبناني وصعوبة الحفر في مناطق وعرة وعميقة ذات طبيعة صخريّة قاسية.

ومنها ما قد ينطوي على مخاطر قد تكون تقنيّة تتعلّق بصعوبة تخمين التكاليف وتتعلّق بالحاجة إلى استعمال تقنيات وتكنولوجيا حديثة ومتطوّرة، أو إقتصاديّة تتعلّق بالتقلّبات التي تحصل في أسعار البترول العالميّة، أو تجاريّة تتعلّق بالتسويق والعلاقات التعاقديّة مع أطراف أخرى، أو سياسيّة تتعلّق بالنظام المالي أو بالبنية التشريعيّة والتنظيميّة للقطاع كما وتتعلّق بالوضع السياسي والأمني للبلد المعني باستغلال ثروته النفطيّة.

في مراحلها

تنقسم الصناعة البترولية إلى ثلاث مراحل تساهم في تحقيق الأهداف الإقتصاديّة والإجتماعيّة والجيوسياسيّة التي من أجلها نشأت هذه الصناعة. وهي على المستوى التالي:

المرحلة الأولى «الأبستريم» (Upstream) التنقيب والإنتاج والتفكيك: تشمل الدراسات التحليلية التي تهدف إلى تحديد أماكن تواجد الموارد البتروليّة ودراسة الجدوى الإقتصاديّة من استخراجها، من بينها عملية إجراء المسوحات الزلزاليّة والدراسات الجيولوجيّة للمكامن المحتملة. بحيث تشمل هذه المرحلة ثلاثة مستويات من العمل، تبدأ بمرحلة البحث والإستكشاف مروراً بمرحلة التنقيب والحفر وصولاً إلى مرحلة الإستخراج والإنتاج.

المرحلة الثانية «الميدستريم» (Midstream) التخزين والنقل: بمجرّد اكتشافه ومعالجته وتخزينه في محطات التحميل لا بدّ من نقل النفط الخام إلى أماكن الإستهلاك عبر وسائل عدة، إمّا عبر النقل بخطوط الأنابيب أو عبر النقل البحري بواسطة الناقلات البحريّة، أو عبر الصهاريج بحيث يتم نقل النفط والغاز عبر الشاحنات العملاقة إلى نقاط الإستهلاك النهائيّة.

المرحلة الثالثة مرحلة «الداونستريم» (Downstream) التوزيع والتصدير والتسويق: تهدف إلى تسويق وتصدير البترول بصورته الخام أو بصورة المشتقات النفطيّة إلى مناطق استهلاكه حول العالم، حيث ترتكز هذه المرحلة على الجانب الإقتصادي والتجاري لاسيّما بما يختص بتسييل الغاز الطبيعي وبيعه. وفي هذا السياق، لا بدّ من تطوير المرافق البحريّة في لبنان وإعدادها لاستقبال الغاز المسال، ولمَ لا والعمل على إنشاء محطات لتسييل الغاز على الشاطئ اللبناني ما يعطي لبنان مركزاً إقليمياً مهماً على صعيد استغلال الطاقة وتصديرها في شرق المتوسط. الأمر الذي يساهم في ربط الغاز المسال الذي يتم إنتاجه في لبنان بالأسواق القريبة والبعيدة لا سيّما بالسوق الأوروبيّة والآسيويّة على وجه الخصوص.

في أهدافها

إن لبنان وبخلاف الدول الأخرى، يفتقد إلى استراتيجيّة للطاقة واضحة الأهداف، فهو لم يعمد إلى السير ببرنامج عمل موسع يحوي خريطة طريق للسنوات المقبلة. ومع استعداده لدخول مجال الطاقة المتجدّدة ومجال استكشاف واستخراج البترول من بابه الواسع، أصبح من الضرورة العمل على وضع سياسة متكاملة للطاقة وللموارد البتروليّة الطويلة الأمد وتحديد أهدافها، فلبنان غائب عن مشهد التخطيط الإستراتيجي لوضع السياسات العامّة للقطاعات المختلفة. بحيث من الضرورة اللجوء إلى وضع الأطر العريضة للسياسة المتكاملة للطاقة والموارد البتروليّة والتي تتلخّص بأربعة أهداف أساسيّة تشمل:

  • تحقيق أمن الطاقة: وذلك من خلال تحديد الحاجات اللبنانيّة الفعليّة من الطاقة ومواردها للسنوات المقبلة. يرتبط الأمن الطاقوي المستقبلي بعاملين، الأوّل بتلبية الإحتياجات المحليّة من موارد الطاقة لا سيّما من الغاز الطبيعي اللازم للإستخدامات المختلفة سواء للقطاع الصناعي أم لتأمين الكهرباء. أمّا الثاني فيرتبط بالتصدير إلى الخارج والذي يفترض تحديد وجهة تصديره.
  • تحقيق التنمية المستدامة وتوسيع الإقتصاد.
  • خفض الإنبعاثات الدفيئة وحفظ البيئة.
  • تطوير البحث العلمي: إن إنشاء معهد جيولوجي وطني لشؤون النفط والغاز في لبنان يعتبر ضرورة ملحّة، الأمر الذي سيسمح للدولة ولشركتها الوطنيّة في ما بعد الإعتماد على الآراء والإستشارات العلميّة الموضوعيّة المستقلّة في عمليّة إدارة الأنشطة البتروليّة وحسن توجيهها.

في المحصّلة، إن نوعيّة أهداف سياسة الطاقة هي التي تحدّد بدقّة نوعيّة الحوكمة والمسؤوليات وتوزيع الأدوار بين مؤسسات الإدارة العامّة كما وطرق الإدارة اليوميّة. فأي خطأ في حوكمة الأنشطة المتعلّقة بمصادر الطاقة الأحفوريّة غير المتجدّدة، سوف يؤدّي إلى ضياع الثروة وبالتالي ضياع الآمال بالتحوّل إلى بلد متقدّم واقتصاد قويّ قادر على تأمين حاجات أبنائه الحاليين كما وحاجات أجياله المستقبليّة.

باسكال مزهر – نداء الوطن

اقرأ أيضا