fbpx
أبريل 27, 2024 4:20 م
Search
Close this search box.

تهديد يحوم في سماء البرازيل

إنها تبدو كمثل روايات الخيال العلمي؛ إذ يرسم النص مستقبلاً غريباً عبر 93 صفحة. هناك وباء جديد ينتشر عام 2027، سببه «فيروس إكس». وبعد عام، تندلع حرب بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا حول رواسب «البوكسيت» في غويانا. وبحلول عام 2035، يعترف البرازيليون علناً بنزعتهم المحافظة الفطرية، ويتبنون مستقبلاً لا تكاد تُذكر فيه كلمة «السكان الأصليون».
مع ذلك، فإن هذه التوقعات ليست من قبيل الأعمال الخيالية. بل إنها تأتي، بدلاً من ذلك، من وثيقة سياسية غريبة نُشرت العام الماضي من طرف مجموعة من المعاهد التي يديرها عسكريون برازيليون متقاعدون. ويطرح التقرير، الذي يحمل عنوان «المشروع الوطني: البرازيل عام 2035»، استراتيجية وطنية كبرى بشأن قضايا مثل الجغرافيا السياسية، والعلوم، والتكنولوجيا، والتعليم، والصحة. وإلى جانب توقعاته الأكثر غرابة، فإنه يتوقع نهاية نظام الرعاية الصحية الشاملة، والجامعات العامة في البرازيل، ويدعو إلى إلغاء تدابير الحماية البيئية.
إنه تقرير يبعث على الضحك، غير أنه لم يكن يطرح شأناً هامشياً؛ إذ حضر عرض الخطة، العام الماضي، نائب رئيس البرازيل والأمين العام لوزارة الدفاع. هذه هي البرازيل، حيث تمازج الجيش لفترة طويلة مع الحكومة.
عاد الجيش إلى ثكناته خلال العقود التالية على ذلك، لكن انسحابه كان دائماً مشروطاً. كانت ولاية جاير بولسونارو، النقيب السابق بالجيش، سبباً في إعادة المؤسسة العسكرية إلى قلب الحكومة. وربما ترك منصبه على مضض، لكن الجيش البرازيلي – المتميز، والمتسلط، وغير الخاضع للمساءلة – لا يزال يُشكل تهديداً مستمراً للديمقراطية في البلاد.
يكمن النسيان في جذور سلطة الجيش. قتل النظام الحاكم، إبان الحكم الديكتاتوري، المئات وعذب 20 ألف شخص. ومع ذلك، مرّر عام 1979 قانوناً للعفو عن أولئك الذين ارتكبوا جرائم ذات دوافع سياسية في العقدين السابقين، ولم يشمل هذا القانون النشطاء المنفيين فحسب، وإنما اشتمل أيضاً على المسؤولين العسكريين والحكوميين المتهمين بالقتل والتعذيب والاعتداء الجنسي. وقد أيدت المحكمة العليا البرازيلية القانون عام 2010. وبعد أربع سنوات، حددت لجنة وطنية لتقصي الحقائق 377 موظفاً عمومياً مسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان إبان الحكم الديكتاتوري. لكن الأمر لم يتجاوز ذلك، إذ لم يتعرض أي من الضباط العسكريين للعقاب على جرائمهم.
لذا، لا يستطيع البرازيليون مشاهدة فيلم «الأرجنتين 1985» دون أن يصرخوا خزياً وخجلاً. فهو الفيلم الحائز جائزة «غولدن غلوب» لأفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، والمرشح لنيل جائزة «الأوسكار» عام 2023، ويُصور الجهود المبذولة لنقل أعضاء المجالس العسكرية التي حكمت الأرجنتين في الفترة من 1976 إلى 1983 إلى المُحاكمة. وقد ساعدت المُحاكمة، التي عُقدت عام 1985، في صياغة النقاش العام بشأن ما حدث في تلك السنوات الوحشية، وأرسلت بعض الجنرالات إلى السجن. وحتى الآن، أُدين أكثر من ألف شخص بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في بلدنا المجاور.
لم يحدث شيء من هذا القبيل في البرازيل قط. هنا، عام 2023، لا يزال هناك الكثير من الناس الذين يثنون على الماضي العسكري للبلاد. وكما أخبرتني مؤخراً إحدى النساء المؤيدات لبولسونارو، فإن النظام «لم يذبح الناس العاديين». لا أجرؤ على نقل ذلك لعائلة «مورينا بورغيس دا سيلفيرا»، الراهبة الكاثوليكية التي عُذبت عام 1969، أو إلى «جينو غيلارديني»، البالغة من العمر 8 سنوات والتي عُذبت عام 1973، أو إلى عائلة «إزميرالدينا كارفاليو كونا»، ربة المنزل التي قُتلت عام 1972 بعد أن ألقت باللوم على الجيش، على وَجْهِ التّحْدِيد، في وفاة ابنتها.
في البرازيل، يُلمح أنصار الديكتاتورية إلى جرائم «الطرف الآخر» – أي الجماعات المسلحة اليسارية التي عارضت النظام – كما لو كانت أفعالهم في نفس السياق الذي ارتكبت فيه الفظائع المرتكبة من قبل قوات الدولة. لكن من المستحيل الدفاع عن المسؤولين الذين عذبوا النساء الحوامل، واعتقلوا الأطفال الصغار، ووصفوهم بالإرهابيين المهددين للأمن القومي.
لم يعتذر الجيش البرازيلي أبداً عن هذا. بل على العكس، لا يزال يحتفل بما يسميه ثورة عام 1964. وخلال حكومة السيد بولسونارو، احتفلوا في 31 مارس (آذار) من كل عام بتاريخ الانقلاب الذي أوصل الجيش إلى السلطة، وطبقاً لتصريح وزير دفاع سابق، فإن تغيير النظام كان بمثابة «معلم تاريخي للتطور السياسي في البرازيل».
لكن المشكلة ترجع إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، إلى تأسيس البلاد. فقد تأسست الجمهورية بانقلاب عسكري عام 1889. وكما قال المحامي البرازيلي البارز هيراكليتو سوبرال بينتو ذات يوم: «لم يقبل ضباط الجيش قط بأقل من امتلاك الجمهورية بأسرها». وفي السنوات الـ130 التي تلت ذلك، ظل الجيش مهيمنا على البرازيل – كما كتب العالم السياسي آدم برزيورسكي، في إشارة إلى الديمقراطيات التي تعاني من الجيوش المتغطرسة: «كمثل الظلال الخطرة، التي توشك على السقوط فوق أي شخص ينطلق بعيداً في محاولات تقويض قيمهم ومصالحهم».
تلك المصالح هائلة وكبيرة. ومع عدم وجود حرب في الأفق، فإن البرازيل تحتل المرتبة الـ15 من حيث أكبر الجيوش على مستوى العالم، مع 351000 جندي عامل، و167000 ضابط احتياطي، و233400 متقاعد، وفقاً لما ذكرته بوابة الشفافية. وفيما يتعلق بالرواتب، تنفق الحكومة الاتحادية على الدفاع أكثر مما تنفق على التعليم، وأكثر بخمس مرات تقريباً مما تنفقه على الصحة. (بالمناسبة، تملك البرازيل نظاماً ضخماً للرعاية الصحية العامة). وتبلغ الميزانية المتوقعة لوزارة الدفاع لهذا العام 23 مليار دولار، يُخصص 77 في المائة منها لدفع رواتب الموظفين.
يحظى المسؤولون العسكريون بامتيازات كثيرة، بما لديهم من نظم خاصة للتعليم، والإسكان، والرعاية صحية، وحتى العدالة الجنائية. فقد أعفوا، إلى حد كبير، من إصلاح المعاشات التقاعدية الأخير في البرازيل. ومن حسن حظ هؤلاء: عام 2019، كان متوسط أجر عضو متقاعد في الجيش أكثر من 6 أمثال متوسط أجر مواطن مدني متقاعد.
بعد أن أصبح السيد بولسونارو رئيساً عام 2019، تدفق الجيش إلى الإدارة المدنية. في عام 2020، عمل 6157 ضابطاً عسكرياً – نصفهم في الخدمة الفعلية – لحساب الحكومة الاتحادية، أي أكثر من ضعف العدد عام 2018. وفي مرحلة ما، كان 11 وزيراً من بين 26 وزيراً في إدارة السيد بولسونارو من ضباط الجيش الحاليين أو السابقين، بما في ذلك وزير الصحة خلال أغلب فترة الوباء، الجنرال إدواردو بازويلو، الذي لم يُحاسب بعد على أخطائه.
يحاول الرئيس الجديد لويز إيناسيو لولا دا سيلفا إزاحة أفراد الجيش من الحكومة ببطء، لا سيما بعد تمرد 8 يناير، الذي لعب فيه الجيش دوراً غير واضح المعالم. إذا لم يشارك الجيش في أعمال الشغب فمن المؤكد أنه لم يبذل الكثير لمنعها. وفي يناير، أقال الرئيس لولا دا سيلفا قائد الجيش، الذي يُزعم أنه وفر الحماية لمثيري الشغب من أنصار بولسونارو في معسكر في مدينة برازيليا ليلة وقوع الهجمات. ومما يبعث على التشجيع، أن أحد قضاة المحكمة العليا قد أصدر حُكماً يقضي بمحاكمة ضباط الجيش المتورطين في أعمال الشغب أمام محكمة مدنية.
إنها مجرد بداية، لكن هناك الكثير من الأمور التي ينبغي تنفيذها قبل التحرر الكامل من هيمنة الجيش. ثم أخيراً، يمكننا إحالة خططهم إلى عالم الخيال، مكانها الحقيقي.

فانيسا باربرا – الشرق الأوسط

اقرأ أيضا